أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد تومة - شعوب الشرق الأوسط بين التكتيك والإستراتيجية - والحلفاء بين القديم والجديد















المزيد.....



شعوب الشرق الأوسط بين التكتيك والإستراتيجية - والحلفاء بين القديم والجديد


محمد تومة

الحوار المتمدن-العدد: 1437 - 2006 / 1 / 21 - 07:25
المحور: حقوق الانسان
    


طريق الحقيقة رقم -20-
( المفتاح )
1- شعارها الثقافي الإستراتيجي:
1- لا أحد يملك الحقيقة.
2- أنا أبحث عن الحقيقة.
3- أنا أملك جزءاً من الحقيقة ومن حقي أن أعبر عنها.
2- شعارها السياسي التكتيكي: الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي، والحرية للكردي.
3- أيديولوجيتها: سياسة غصن الزيتون، وفلسفة حقوق الإنسان.
4- شعارها الاقتصادي الإستراتيجي: مجتمع الإبداع والرخاء والعدل.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عنوان الحلقة.. (( شعوب الشرق الأوسط بين التكتيك والإستراتيجية - والحلفاء بين القديم والجديد ))
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1- كيف نفهم التكتيك والإستراتيجية.
2- ماذا نعني بقراءة التاريخ وما علاقة التاريخ بالإستراتيجية والظروف الموضوعية
3- الإستراتيجية والتحالف.
4- الأهداف الإستراتيجية والتحالفات الإستراتيجية والتوازن الدولي.
5- الورقة الكردية كورقة تكتيكية في سياقها التاريخي الدولي والإقليمي.
6- تحول الورقة الكردية إلى ورقة إستراتيجية في يد الغرب والظروف الموضوعية لذلك.
7- العرب – والسوق العراقية الاقتصادية وإستراتيجية التفعيل الأيديولوجي.
8- النخب العربية السياسية والفكرية والنقاشات السفسطائية للأحداث في العراق بين التفعيل الأيديولوجي والاقتصادي.
9- انفتاح أبواب السماء في العراق، وعلى دول الجوار وشعوبها وواجبهم في الحفاظ على هذه الأبواب.
10- الكلمة الختامية من طريق الحقيقة والرؤية الإستراتيجية.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1- كيف نفهم التكتيك والإستراتيجية:
أ) التكتيك: هو وسيلة تستخدم منهج مؤقت وسياسة وقتية بغية تحقيق الهدف البعيد الإستراتيجي.
التكتيك يمكن تغييره سواء أكانت وسيلة أو منهج أو سياسة والاستغناء عنه في أي وقت.
فالتكتيك السياسي يمكن إخفاؤه وإنكاره وعدم الإعلان عنه، لأن التكتيك السياسي يقوم على النية المخفية. والتكتيك لا يكلف كلفة مادية. وخاصة في التكتيك السياسي، إنه موقف غامض واستقبال مخفي عن الأنظار ومخفي عن وسائل الإعلام، إنه وجه منافق ظاهره ابتسامة وباطنه شيء آخر تماماً.
بـ) الإستراتيجية: هو هدف نهائي يتوقف على تحقيقه مستقبل الفرد أو الجماعة أو الشعب أو الوطن في مرحلة تاريخية معينة.
ولهذا لا يمكن إخفاء الأهداف الإستراتيجية.
إن الأهداف الإستراتيجية تحتاج إلى أسس مادية مكشوفة لا يمكن إخفاؤها، وهذه الأسس المادية قد تكلف مليارات من المال ولهذا لا يمكن تغيير الأهداف الإستراتيجية بسهولة إلا عند المنعطفات التاريخية الخطيرة وعند تغيير الظروف الموضوعية. وعندما تكون الأهداف الإستراتيجية القديمة التي رسمت لمرحلة سابقة لم تعد تتلاءم مع هذه الظروف الموضوعية والانعطاف التاريخي الجديد. عندها يتطلب الأمر الاستغناء عن جميع هذه الأسس المادية حتى ولو كانت قد كلفت مليارات من المال. فإذا لم تتغير تلك الأهداف الإستراتيجية القديمة، ستكون حياة الأمة كلها في خطر وتكون الأمة كلها سابحة بعكس التيار. وتكون الخطورة أشد عندما ترتبط النخبة السياسية الحاكمة في الدول الغير ديمقراطية مصالحها الشخصية والامتيازات التي كسبتها بالإستراتيجية القديمة. عندها تتحول هذه النخبة السياسية التي بيدها السلطة إلى عائق أمام تقدم الأمة، عندها يحدث انفصال كبير بين القاعدة الجماهيرية الهائلة التي تتأزم حياتها كلها وبين النخب السياسية الحاكمة التي لا تتنازل عن مكتسباتها الشخصية والمرتبطة بالأهداف الإستراتيجية القديمة. وتفضل مصلحتها الشخصية على مصلحة الشعب أو الأمة بأكملها.
إن كل منعطف تاريخي جديد له ظروفه الموضوعية. وهذا يتطلب رسم أهداف إستراتيجية جديدة تختلف كلياً عن الأهداف السابقة فكرياً وتحالفياً. وهكذا عند الممارسة العملية سنرى فيما بعد بالشواهد الحية والأمثلة كيف يصبح القديم بأفكاره وتحالفاته وأسسه المادية عائقاً أمام تحقيق الأهداف والإستراتيجية الجديدة.
وكل التاريخ القديم منذ أن بدأ الإنسان يصنع التاريخ كان هناك صراع بين القديم الذي ولى زمانه والجديد الذي له الحياة. وكان النصر للجديد والهزيمة للقديم مادياً ومعنوياً وروحياً.
هذه هي حركة التاريخ. وهنا يفرض مفهوم التاريخ على كل باحث عن الحقيقة لدى محاولة رسم الأهداف الإستراتيجية أن يعي مفهوم التاريخ أولاً. وباعتقادنا أن رسم أية أهداف إستراتيجية إذا لم يعتمد على قراءة التاريخ سوف تكون طوباوية وسوف لن يكون النصر من نصيبها.

2- ماذا نعني بقراءة التاريخ وما علاقة التاريخ بالإستراتيجية والظروف الموضوعية:
في كل زمان ومكان هناك علاقة جدلية بين التاريخ والإستراتيجية والظروف الموضوعية. إن كل مخطط إستراتيجي مجبر على أن يضع في حسابه العوامل الثلاثة: 1- التاريخ... 2- الإستراتيجية... 3- الظروف الموضوعية...
ماذا نعني بالتاريخ:
إن المشكلة الأساسية أمام المخطط الإستراتيجي هو الوعي الفلسفي للتاريخ. إن ما يجب فهمه من مفهوم التاريخ هو الإجابة على السؤال التالي: هل التاريخ ثابت بجانبيه المادي والروحي؟
إن هذا السؤال يفرض طرح سؤال آخر: إذا كان التاريخ الذي يصنعه الإنسان غير ثابت، ما وجهته؟ هل هو إلى الأمام أم إلى الخلف؟.
ولدى دراسة التاريخ البشري يتبين لكل باحث إستراتيجي أن أنصار التاريخ الثابت وقعوا في مجابهة مع التاريخ. عندما كانت تتغير الظروف الموضوعية، والظروف الموضوعية التي تغيرت كانت نتيجة لفعل ونشاط البشر من خلال عملية الانتاج المادي عندما كانوا يبدعون وسائل إنتاجية جديدة كانوا يزيدون من إنتاجهم وإبداع وسائل إنتاج جديدة. وهذا ما كان أن يتم لو لا زيادة معارفهم عن المادة الطبيعية. وهذا يعني أن الإنسان في الوقت الذي كان يصنع تاريخه ويزيد من إنتاجه ويزيد معارفه كان يصنع نفسه بالذات وهذا يعني أن ظروفاً موضوعية جديدة قد نشأت من خلال صراعه مع الطبيعة. وهذه الظروف الموضوعية كانت تتطلب تغيير علاقة الإنسان مع بعضه البعض. وهكذا لدى نشوء الظروف الموضوعية الجديدة الناشئة عن الصراع التاريخي مع الطبيعة كان الأمر يتطلب تغيير الأهداف الإستراتيجية والاستغناء عن الإستراتيجية القديمة لتكون متوافقة مع هذه الظروف الموضوعية الجديدة. وهذا يدل أن حركة التاريخ ليست ثابتة ووجهتها إلى الأمام... ونستطيع أن نورد آلاف الأمثلة من العملية التاريخية بجانبيها المادي والروحي.
من الجانب المادي:
لقد كان آباؤنا وأجدادنا يحفظون طعامهم في الشعرية أو النملية وبظهور البراد انتهى عهد الشعرية والنملية وأصبح من المستحيل الرجوع إلى الشعرية.
لقد كان آباؤنا وأجدادنا يستخدمون الحيوانات في مواصلاتهم وبظهور السيارة والطائرة والقاطرة أصبح من المستحيل الرجوع إلى الحيوانات.
وعند ظهور الكهرباء والمصابيح الكهربائية أصبح من المستحيل الرجوع إلى ضوء الفانوس.
وعندما ظهر التلفاز الملون أصبح من المستحيل الرجوع إلى التلفاز الأبيض والأسود. وهكذا يمكن ذكر آلاف من الأمثلة من الجانب المادي للتاريخ.
من الجانب الروحي:
لقد كان آباؤنا وأجدادنا يعلمون أولادهم ويتعلمون في الكتاتيب وكان معلمهم الشيخ أو الملا. ولم يكن علمهم سوى حفظ الآيات المقدسة ومحو الأمية. ولكن بظهور المدارس والمعاهد والجامعات والتي يتعلم الإنسان فيها العلوم الطبيعية والإنسانية والبيولوجية أصبح الرجوع إلى الكتاتيب والمشايخ أمراً مستحيلاً. ومع تطور التاريخ البشري وخلق وسائل هائلة للاتصالات وسرعة تنقل الإنسان بين القارات وتشابك المصالح الاقتصادية وهذه الظروف الموضوعية التي نتجت عن التاريخ تتطلب إنساناً كونياً جديداً بروحه وثقافته. ومع هذا الوضع أصبح من المستحيل حجز الإنسان ضمن ثقافة إقليمية سواء أكانت قومية أو طائفية أو مذهبية أو سياسية أو اقتصادية. وتبعاً لهذه الحقائق التاريخية والظرف الموضوعية التي نشأت عن الحركة التاريخية. فالأمم الحية التي تفهم حركة التاريخ هذا ولدى تغيير الظروف الموضوعية يقوم مفكروها وباحثوها الإستراتيجيون برسم أهدافٍ إستراتيجية لشعوبهم وأممهم كي يسيروا مع حركة التاريخ المتجهة إلى الأمام.
3- الإستراتيجة والتحالف:
هذان المفهومان هما أيضاً جدليان تابعان لبعضهما البعض ولا يمكن فصلهما. وللإستراتيجية نوعان ويتبعهما نوعان من التحالف:
1- الإستراتيجية الوطنية البناءة...والحليف الإستراتيجي. 2- الإستراتيجية الوطنية المدمرة... والحليف الإستراتيجي.
إنهما مشتركتان في الإسم ولكنهما مختلفتان في النتائج والذي يفصل بينهما في الناتج هو التحالف.
ولدى رسم أية إستراتيجية لا بد من طرح السؤال التالي: من هو الحليف لهذه الإستراتيجية؟ وللإجابة على هذا السؤال:
أ‌- إذا كان الهدف الإستراتيجي هو مصلحة الوطن فيكون في هذه الحالة الحليف الإستراتيجي هو شعب هذا الوطن.
ب‌- أما إذا كان الهدف الإستراتيجي هو مصلحة طبقة أو طائفة أو مذهب أو شريحة مدنية أو عسكرية في هذا الوطن يكون الحليف الإستراتيجي هو من خارج الوطن.
1- الإستراتيجية الوطنية البناءة... والحليف الإستراتيجي:
يكون الهدف الإستراتيجي لأية سلطة سياسية هو تحقيق الهدف الإستراتيجي لكل مواطن بصرف النظر عن انتمائه الحزبي والطائفي والمذهبي والقومي وهو تأمين المأكل والملبس والمسكن والحاجيات العصرية الجديدة لكل مواطن. وها يعني ممارسة تكتيكات مبدعة لتفعيل الحركة الاقتصادية. وخلق فرص عمل ومحاربة الجهل ومحو الأمية... الخ وهذا يعني تكريس كل الثروة الوطنية والمال العام في خدمة تحقيق هذا الهدف الوطني الإستراتيجي. وفي هذه الحالة إن القيادات السياسية ليست بحاجة إلى تحالفات إستراتيجية أو تكتيكية خارجية لأن الوطن والقيادة السياسية يحميها كل مواطن. وإن القوة الخارجية لا تستطيع أن تهاجم وطناً عندما يكون هناك تحالف إستراتيجي بين القيادة السياسية والشعب. وفي هذه الحالة تكون جميع القوة التنفيذية بيد السلطة السياسية مكرسة لخدمة المواطن والوطن وحمايته.

2- الإستراتيجية الوطنية المدمرة... والحليف الإستراتيجي:
عندما يكون الهدف الإستراتيجي هو مصلحة طبقة أو فئة أو شريحة في الوطن. فإن هذه الأصناف تكون في هذه الحالة هدفها الإستراتيجي هو الثراء على حساب الوطن والشعب. بصرف النظر عن شعاراتها الديماغوجية سواء أكانت دينية أو قومية. وتكون جميع القوة التنفيذية مصابة بمرض الفساد (الرشوة). إن هدف هذه القوة التنفيذية هو حماية السلطة، وليس حماية الوطن والشعب. عندها يجبرها هدفها الإستراتيجي إلى البحث عن حليف إستراتيجي خارجي يربط مصيره بمصير الأهداف الإستراتيجية لهذه القوة الخارجية. فيقع مصير الطبقة أو الفئة أو الشريحة وشعب هذا الوطن والوطن بأكمله أسير الأهداف الإستراتيجية لهذه القوة الخارجية. فإذا غيرت هذه القوة الخارجية هدفها الإستراتيجي يقع كل الذين ربطوا مصيرهم بالقوة الخارجية في أزمة خانقة. وعندها لا تستطيع هذه الأصناف أن تحافظ على مكتسباتها وإمتيازاتها ولا هي تستطيع أن تتراجع وتتقدم نحو شعبها بغية رسم أهداف إستراتيجية وطنية بناءة وعندها تقع الكارثة على أصحاب السلطة والشعب والوطن بأكمله.
- الإستراتيجية الوطنية البناءة والمدمرة والنظم السياسية الخاص بها:
إن لكل إستراتيجية نظاماً سياسياً خاصاً بها.
فالإستراتيجية الوطنية البناءة لا يمكن أن ترسم إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي وشعب ذو ثقافة ديمقراطية ليكون الشعب هو المخطط وهو يحميها.
والإستراتيجية الوطنية المدمرة لا يمكن أن ترسم إلا في ظل نظام سياسي ديكتاتوري ذو ثقافة مطلقة سواء أكانت دينية أو قومية أو اشتراكية. وإرادة الشعب مغيبة والمخطط الإستراتيجي هو الملك أو السلطان أو الزعيم الملهم أو قائد الضرورة وأجهزة التنفيذ في يد السلطة وهي التي تحمي هذه الإستراتيجية.
- النتائج الإيجابية والسلبية من الإستراتيجيات البناءة والمدمرة:
أ- النتائج الإيجابية لإستراتيجيات الوطنية البناءة:
1- توفر مناخ الأمن والسلام الاجتماعي.
2- تخلق الأمل لدى المواطن بأن تحقق هدفه الإستراتيجي في المأكل والملبس والمسكن والحاجات.
3- السلطة تكون خارج دائرة الصراع والعنف والصندوق الانتحابي هو الحكم.
4- حقوق المواطن وحريته مصونة بدستور متفق عليه ويحرسه نظام قضائي مستقل.
5- محصن ضد أي قوة أو تدخل خارجي.
6- العنف السياسي معدوم.
بـ- النتائج السلبية للأهداف الإستراتيجية الوطنية المدمر:
1- الأمن والسلام الاجتماعي مفقود.
2- يعيش المواطن دائماً في حالة محبطة ولا أمل لديه بتحقيق هدفه الإستراتيجي للمتطلبات الحيوية.
3- تكون مشكلة السلطة السياسية أكبر مشكلة والمجتمع في حالة صراع دامي بين القوة السياسية ويكون الشعب هو الضحية.
4- حقوق المواطن وحريته وماله وعرضه وكل ما يملكه خاضع لمزاج السلطة وطاقمها.
5- الوطن والشعب غير محصنين ضد أي تدخل خارجي وينهار النظام السياسي وجهازه التنفيذي بكامله لدى تعرضه لقوة خارجية ويدخل الوطن والشعب في فوضى أمنية رهيبة. فبالرغم من أننا شعوب الشرق الأوسط نملك ميراثاً ثقيلاً من ثقافة العنف، عنف عشائري، وقبلي، وطائفي، ومذهبي، وقومي، وطبقي، وعنف اللصوص، وقطاع الطرق، والعنف السياسي، وعنف الدولة الإرهابي ضد الشعب، وعنف المعارضة ضد الدولة... فبالإضافة إلى كل هذا فقد ظهر عندنا عنف جديد هو العنف الإرهابي ليكمل المسلسل. لقد انقلبت حياة شعوبنا وأوطاننا إلى جحيم لا يطاق والأمثلة الحية التي عشناها طوال القرن العشرين وما زلنا نعيشها الآن على ساحة الشرق الأوسط وما حولها كثيراً.
فالجزائريون يذبحون بعضهم البعض كالنعاج، واللبنانيون ذبحوا بعضهم البعض، والمصريون والسودانيون يذبحون بعضهم وها هو العراق يذبح بعضه البعض. إن أسوأ أشكال العنف هو العنف الإرهابي الذي ظهر في منطقة الشرق الأوسط وتم تصديره إلى العالم. فعندما يفجر انتحاري نفسه في ساحة من ساحات المدينة أو في سوق أو أي شارع ما أو عندما يفجر سيارة مفخخة، إن الذين يقتلون من الشيوخ والأطفال والنساء والشبان ليس لهم أي ذنب وليس لهم أية علاقة مع السياسة. والأسوأ من هذا العنف هو إصدار الفتاوي باسم الدين لتبرئة هذا القتل. فهل هناك جريمة أعظم من هذه الجريمة. إنه صراع سياسي دموي مدمر للوطن والشعب معاً.
4- الأهداف الإستراتيجية والتحالفات الإستراتيجية والتوازن الدولي:
هناك نوعان من التحالفات الإستراتيجية الخارجية:
1- تحلف أيديولوجي. 2- تحالف اقتصادي – مصالح اقتصادية.
إنما يحدد نوعية هذه التحالفات هو الظروف الموضوعية للتوازنات الدولية. فالتحالفات الإستراتيجية التي حدثت خلال القرن العشرين حددتها الظروف الموضوعية التاريخية لذلك القرن. لقد كانت التحالفات الإستراتيجية الرئيسية تحالفات أيديولوجية. ولكن هناك بين النوعين من التحالف الأيديولوجي والاقتصادي قد يحدث تحالف تكتيكي لا هو أيديولوجي ولا هو اقتصادي ((ويسمى بالأمن القومي)). يزال هذا التحالف التكتيكي بزوال المسبب الشاذ. ومثال على ذلك: لقد كان التوازن الدولي خلال القرن العشرين قائماً بين كتلتين - السوفيتية الشرقية الإشتراكية والغربية الرأسمالية. والصراع بينهما صراع أيديولوجي وكل كتلة تريد الهيمنة على العالم ولكل منهما قوة ذاتية وأهداف اقتصادية تختلف عن الأخرى. وتوزعت دول العالم وحكوماتها والمعارضة بين هاتين الكتلتين الأيديولوجيتين وربطت مصيرها بهاتين القوتين ودخلت معهما في تحالفات إستراتيجية ورسمت جميع الأهداف الإستراتيجية بناءاً على هذه التحالفات. وسميت الدول والحكومات التابعة للكتلة السوفيتية الشرقية بالدول اليسارية، والدول والحكومات التابعة للكتلة الغربية بالدول اليمينية. وخلال هذا الصراع الأيديولوجي حدث أمر شاذ بظهور كتلة ثالثة سميت بدول المحور، كانت تتألف من ألمانيا وإيطالية واليابان. وكان هدف هذا المحور الهيمنة على العالم وكانت فلسفتها مبنية على الشوفينية القومية والعنصرية والعُرق. وشنت حرباً ضد الكتلتين وأرادت إزالة هاتين الكتلتين بكل كيانها السياسي والوطني من الوجود. عندها ظهر مفهوم الأمن القومي وظهر معه تحالف تكتيكي بين الكتلتين المختلفتين أيديولوجياً واقتصادياً ولكن جمعهما الأمن القومي. وتحالف السوفييت مع الغرب الرأسمالي ضد دول المحور الذي هدد الأمن القومي للاثنين معاً. وعندما أزيلت دول المحور من الوجود عادتا مجدداً إلى الصراع وفكرة الهيمنة العالمية.
إن ما يحدث اليوم هو ظهور ظاهرة الإرهاب ولكن وفق ظروف موضوعية وإمكانيات مادية مختلفة. لقد ظهرت فكرة الهيمنة من جديد وتبنت فكرة هذه الهيمنة الأيديولوجية فئة من المسلمين ((سموا بالتكفيريين)). وبدأت تطالب بالهيمنة على العالم متحديةً الهيمنة الرأسمالية الغربية والشرقية طارحةً مشروعاً سياسياً بإقامة دولة إسلامية عالمية. ولكن الظروف الموضوعية التي يجري فيها الآن هذا الصراع الأيدلوجي يختلف كلياً عما جرى عندما طرحت دول المحور فكرتها للهيمنة على العالم. وكذلك الإمكانيات المادية تختلف كلياً عما جرى سابقاً.
فدول المحور التي أرادت الهيمنة كانت دولاً وكانت لهم إمكانيات اقتصادية وعسكرية كبيرة. واتخذت أسلوب حرب المواجهة بالجيوش.
ولكن الجماعة الإسلامية الذين يطالبون بفكرة الهيمنة على العالم لا يملكون أية دولة لتكون لهم قاعدة للانطلاق لإنشاء مشروعهم السياسي في توحيد الأمة الإسلامية ومن ثم الانطلاق نحو الهيمنة العالمية. لقد كانت القاعدة الوحيدة التي تم إنشاؤها هي أفغانستان وقد تم إزالتها من الوجود. فلم يجد هذا التيار الإسلامي وسيلة أمامه سوى اللجوء إلى أسلوب الإرهاب. هذا الأسلوب هو الذي وحد الكتلة الرأسمالية العالمية في شرقها وغربها. وبالرغم من كل التناقضات الاقتصادية بينهما انقلبوا كلهم ضد الإرهاب وعلى منفذيه وداعميه ومن يأويه. إن هذا التحالف التكتيكي الذي حدث هو تهديد الأمن القومي للكل. وسيزول هذا التحالف عند القضاء على ظاهرة الإرهاب. إن مثل هذه التحالفات مرحلية ووقتية شاذة. وستدوم التحالفات الإستراتيجية السابقة بنوعيها الأيديولوجي والاقتصادي.
_ كتلتان مختلفتان في الهدف الإستراتيجي ومختلفتان في المنهج الروحي والاقتصادي:
1- الكتلة السوفيتية الأيديولوجية. كان هدفها نشر الأفكار الشيوعية وتربية الإنسان بالروح الجماعية وإلغاء التربية الفردية. واعتبر الدور الاقتصادي في الدرجة الثانية.
2- الكتلة الغربية الرأسمالية. كان هدفها المحافظة على الفرد ومبادرته وحريته وتربيته للإبداع العلمي ووضعت الاقتصاد في الدرجة الأولى واعتبرت كافة الأفكار الروحية والثقافة الروحية مسألة شخصية يؤمن بها الفرد أو يرفضها. المهم هو التفعيل الاقتصادي والإبداع والإنتاج الوفير من المتطلبات الحيوية للإنسان. ولم تتدخل في عملية التوزيع بل تركت للسوق الحر.
3- لقد كانت الكتلة السوفيتية الأيديولوجية وكل التحالفات التابعة لها في العالم يُعيشون شعوبهم على الأمل وفق دعاية مكثفة من الكلام والشعارات والخطب الطنانة والبرامج السياسية والاقتصادية الطوباوية.
4- أما الكتلة الغربية الرأسمالية فكانوا يُفعلون النشاط الاقتصادي وينتجون مزيداً من البضائع ويخلقون مزيداً من فرص العمل وتحسن دائم في المأكل والملبس والمسكن.
_ ما هي النتائج التي حصل عليها هذا الصراع الأيديولوجي والتحالفات الأيديولوجية:
لقد انتصر التفعيل الاقتصادي وانهزم التفعيل الكلامي الأيديولوجي وخسر المعركة. أما لماذا انتصر التفعيل الاقتصادي وانهزم التفعيل الكلامي الأيديولوجي هو أن التفعيل الاقتصادي كان يقدم مع مرور كل يوم مزيداً من المتطلبات الحيوية للإنسان ومزيداً من حاجاته العصرية المبدعة.
فالإنسان الذي هو صانع التاريخ في ظل التفعيل الاقتصادي كان يحس ويلمس مع مرور كل يوم تحسناً في متطلباته الحيوية. بينما الوضع على العكس مع الإنسان الذي كان يصنع التاريخ في ظل التفعيل الأيديولوجي، فلم يكن هناك أي تحسين ووفرة في متطلباته الحيوية. بل كان هناك مزيداً من الكلام والخطب الطنانة ومزيداً من ثقافة الأحلام. والكلام والأحلام لا تشبع البطون ولا تكسي الأجسام ولا تُسكن في الفيلات ولا تقدم الحاجات الضرورية العصرية. وطال الليل سبعون عاماً على شعوب الكتلة السوفيتية والمتحالفين معها، فكان الانهيار المدوي لهذه الكتلة ومعها كل المتحالفين. وإذا بالعالم الرأسمالي يتفاجأ باندفاع سيل هائل من البشر من هذه الكتلة المنهارة نحوه. لنقل البضائع من السوق الرأسمالي لبيعها في السوق السوفيتي المنهار وسميت هذه الموجة ((تجارة الشنطة "الحقيبة")).
والموجة الثانية والأخطر هو اندفاع مئات الألوف من الفتيات لتقديم أجسادهن كعاهرات في السوق الرأسمالي. وسميت (( بتجارة الرقيق الأبيض )). وظهرت من هذه التجارة بتوجه الرأسمال إلى إنشاء فنادق ضخمة للسياحة الجنسية وبدأت حركة نشطة في دول الخليج العربي لإنشاء مثل هذه الفنادق كما ذكرنا في الحلقة رقم -19- من طريق الحقيقة.
وبالنتيجة هو دخول كل شعوب هذه الكتلة الأيديولوجية المنهارة والشعوب المتحالفين معها على النطاق العالمي في أزمة سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية... لا يعرفون كيف يخرجون منها.
ترى هل يدرك الذين يرسمون أهدافهم الإستراتيجية بعيداً عن قراءة التاريخ ومتغيراته والنتائج الكارثية التي تنتج عنه؟... والسؤال الذي يفرض نفسه علينا نحن في الشرق الأوسط بعد بيان ما شرحناه:
هل خلاصنا في التقعيل الاقتصادي؟.. أم في التفعيل الأيديولوجي؟..
دعنا نسير في بحثنا نحو مزيدٍ من كشف الحقيقة مهما تكن مرة. ونقولها بصراحة وجرأة غير مبالين بغضب البعض علينا أو رضاهم، هدفنا من كشف الحقيقة هو حياة إنسانية كريمة لشعوبنا وأمن واستقرار لأوطاننا التي إن فقدناها فقدنا الحياة. ودعونا ننتقل إلى المرحلة الثانية... مرحلة الخلاص وكشف الحقيقة في المرحلة التاريخية التي نعيشها الآن. ولنترك وراءنا مرحلة العتاب ومحاكمة التاريخ. ولنبدأ بطرح السؤال التالي على أنفسنا:
هل نسلك طريق التفعيل الاقتصادي؟.. أم نسلك طريق التفعيل الأيديولوجي؟..
والجواب: نجيب ونقول، لقد سلكنا طريق التفعيل الأيديولوجي سواء أكانت دينية أو قومية شوفينية أو اشتراكية، ورسمنا كافة أهدافنا الإستراتيجية ومارسنا كل تكتيكاتنا بموجب ثقافة هذه الأيديولوجيات خلال قرن كامل وكانت نتائجها في ما نعيشه اليوم.
لقد بلغ نسبة ثمانين بالمائة من شعوبنا تحت خط الفقر كما تدل عليها التقارير الصادرة من المنظمات الدولية. أما نسبة عشرين بالمائة الذين استلموا السلطة سواء أكانوا سياسيين أو إداريين أو أجهزة تنفيذية فقد تحولوا إلى لصوص وسرقوا المال العام بالمليارات وهاهم اللصوص يفضحون بعضهم البعض وبدأت وسائل الإعلام تنشر أرقام خيالية عن ثرواتهم التي سرقوها وأودعوها في البنوك الأجنبية. وتحولت السياسة إلى استرزاق بدلاً من أن تكون في خدمة الشعوب. وكما يقول المثل: (( الجوع كافر)) ومن أجل أن يحصلوا على لقمة العيش نزل الآلاف من أفراد شعوبنا إلى شوارع المدن يبحثون بين القمامة عن قطعة ألمنيوم أو كرتون أو قطعة نايلون أو قطعة خبزٍ عفن كي يبيعوها للحصول على ثمن وجبة من الطعام لأسرهم.
لا أمن ولا حب ولا تسامح ولا سلام يربط بين شعوبنا.
الناس يموتون بالآلاف ولا يستطيعون أن يداووا أمراضهم. وبدلاً من أن نزيد نسبة التعليم ومحو الأمية يزداد الجهل. لقد انهار كل النظام التعليمي. أطفالنا الذين يبلغون سن التعليم يزدادون. وكل صف في أي مدرسة يبلغ تعداده خمسون طفلاً والأساتذة والمربون يتناقصون. فكيف يمكن لأستاذ أن يدرس خمسين تلميذاً في صفٍ واحد؟ وكيف يمكن أن يمحو أميتهم وينشئ عقولاً مدركة؟ وكل البناء التحتي لشعوبنا مهترء ومنحل. والقيادات السياسية من فوق في صراع على سرقة المال العام وإيداعه في البنوك الخارجية تحسباً ليوم الانفجار. ولو تابعنا بتسجيل كل ما نعرفه نحن أبناء شعوب الشرق الأوسط بدون استثناء لبلغ مجلدات... ولنترك المجلدات مفتوحة لمن يريد أن يسجل أو يضيف ما يعيشه ويعايشه. ولكن أليس من حقنا أن نسأل أصحاب التفعيل الأيديولوجي، ونقول لهم لماذا حدث كل هذا لشعوبنا في الشرق الأوسط؟.. نقول للشيخ أين مواعظك وأفكارك الروحية وأيديولوجيتك من كل ما حل بنا............. ولنقول للقومي أين خطابك وشعاراتك القومية والأيديولوجية من كل ما حل بنا........ ونقول للاشتراكي أين عدالتك وأوهامك وأحلامك وأيديولوجيتك من كل ما حل بنا....... لماذا لم تؤثر خطاباتكم الأيديولوجية في شعوبنا؟.. لماذا لم تؤثر خطاباتكم الأيديولوجية في سياسيتنا وانقلب كلهم إلى لصوص وكل الجهاز التنفيذي إلى الفساد؟.. ولماذا لجأ مئات الآلاف من أبناء شعوبنا إلى البحث بين القمامة عن لقمة العيش؟.. ولماذا لجأ شبابنا إلى الانتحار والإرهاب؟.. ولماذا انهار نظامنا التعليمي؟.. ولماذا تزداد نسبة الأمية بدلاً من أن تنقص؟.. ولماذا تحملون فشلكم على الإمبريالية والصهيونية والرجعية والخونة والكفار؟..
أليست أهدافكم الإستراتيجية التي رسمتموها على التفعيل الأيديولوجي هي السبب في كل ذلك؟. لماذا لم تدركوا أن العالم اليوم يعيش عصر العلم وعصر التفعيل الاقتصادي وليس التفعيل الأيديولوجي؟.
فإذا كان هذا هو حالنا اليوم، أليس من طريقٍ للخلاص؟.. ولكن كيف؟...... وما العمل. ونحن في طريق الحقيقة نريد أن نقوم بواجبنا الوطني والإنساني ونعصر عقلنا ونحن جياع وعراة ونعيش في مناخ هذه المأساة التي أوصلتنا إليها النخب السياسية الذين استلموا السلطة خلال القرن العشرين. ونسترشد بالحديث النبوي الشريف في كتاب صحيح البخاري، رقم الحديث/1870/، وأيضاً في كتاب فتح البارئ لمختصر صحيح البخاري حيث جاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)). ومن هذا الحديث الشريف نحيي الأمل في نفوسنا. فإذا كان قد أصابنا داء فلا بد أن يكون له دواء. ونحاول أن نبحث عن الدواء لدائنا. ولنعود بعد هذه المقدمة إلى التكتيك والإستراتيجية والتوازن الدولي والتحالفات ولطرح الأسئلة من جديد..
والسؤال هنا: مَنْ مِنَ الأمم الأربعة في الشرق الأوسط العربية والفارسية والتركية والكردية يستطيع أن يقود هذه العملية الديمقراطية؟.. ولنترك الجواب لكل مفكر وسياسي وباحث عن الحقيقة أن يدلي برأيه كما يشاء. ولكننا في طريق الحقيقة كوننا نملك جزءاً من الحقيقة لنا الحق في أن نبدي رأينا في هذا الموضوع الذي تتوقف عليه حياة الأمم الأربعة والشعوب والأقليات المتعايشة معها في المنطقة.
لقد قلنا سابقاً منذ انطلاقتنا بوثيقة عام 1996مـ سميناها ((واحة الحرية)) حتى وقبل أن تقع كل هذه الأحداث في الشرق الأوسط، أن التناقض الكردي هو الذي سيلعب الدور الرئيسي في الشرق الأوسط. وسيجر كل الأمم والشعوب الأخرى إلى الديمقراطية التي بدونها لا أمل لنا في حياة إنسانية كريمة. وها نحن نقولها الآن ونقول أن الورقة الكردية هي التي ستلعب الدور الرئيسي في العملية الديمقراطية ودمقرطة الشرق الأوسط بأكملها. ترى هل كنا صائبين في رأينا ورؤيتنا الإستراتيجية ولنتابع البحث عن الحقيقة للورقة الكردية في سياقها التاريخي.
5- الورقة الكردية كورقة تكتيكية في سياقها التاريخي الدولي والإقليمي:
-- الورقة الكردية في سياقها التاريخي الدولي:
لقد بدأت هذه المرحلة من تاريخ الورقة الكردية بعد الحرب العالمية الأولى 1914- 1918م وبعد أن تم تحطيم الإمبراطورية العثمانية من قبل الإنكليز والفرنسيين. وتم توزيع هذه الممتلكات بين الإنكليز والفرنسيين بموجب اتفاقية سرية سميت باتفاقية سايكس بيكو. وكان هناك طرف ثالث وهو روسيا القيصرية انسحبت منها بعد استلام البلشفيك السلطة في روسيا حيث تم فضح هذه الاتفاقية السرية من قبل الروس. واستمر الإنكليز والفرنسيون في تنفيذ الاتفاقية فيما بينهم وجرى رسم الخارطة السياسية في الشرق الأوسط على الشكل التالي:
أ‌- تقاسم الإنكليز والفرنسيون الوطن العربي بأكمله وأقاموا كيانات سياسية بأشكال مختلفة. استعمار مباشر – محميات – انتداب ...الخ
ب‌- تم إلغاء السلطنة العثمانية وتحولت إلى جمهورية علمانية بموافقة الغرب.
ج‌- كما تم المحافظة على إيران كملكية علمانية بموافقة الغرب.
ح‌- أما مصير الأكراد فكان كالتالي: لقد اتخذ قرار دولي بخصوصهم في معاهدة سيفر. وبحضور ممثلين من الأكراد والأرمن لإنشاء دولة كردية على مرحلتين. المرحلة الأولى: أن يقوم الانكليز بمنح الحقوق القومية والثقافية وحكم ذاتي في القسم الكردي الذي أتبعته بالعراق وبعد سنة يجرى استفتاء في القسم الكردي في تركيا وينضم القسمين معاً ليشكلا دولة كردية. وتم ذكر بنودٍ في هذه المعاهدة الدولية على إجبار تركيا بالإعتراف بنتائج هذا الإستفتاء وسحب كافة قواتها العسكرية والإدارية من المنطقة الكردية.
وتغيرت الظروف الموضوعية الدولية في ذلك الحين بعد استلام البلشفيك السلطة في روسيا. وتبين للغرب أن هذه السلطة الجديدة لا تريد أن تتوقف داخل روسيا. بل تريد تصدير ثورتها الاشتراكية إلى العالم والشرق الأوسط وإلغاء الملكية الخاصة التي هي أساس الرأسمالية. وبدأت بإنشاء أحزاب شيوعية في الشرق الأوسط في تركيا وإيران والدول العربية بغية نشر الثقافة والأفكار الشيوعية تمهيداً لاستلام السلطة. لقد شعر الغرب بنوايا هذه الدولة وانقلبت الأوضاع وكذلك الظروف الموضوعية في الشرق الأوسط تماماً. وبناءاً على هذه الظروف الموضوعية رسم الغرب إستراتيجية جديدة لمواجهة هذا الوضع الناشئ عن الثورة البلشفية. لقد شعر الغرب الرأسمالي بأن العالم الغربي كله مهدد من قبل هذه الدولة ذات الأيديولوجية الاشتراكية. ودخلت أمريكا على الخط إلى جانب الإنكليز والفرنسيين وتزعمت تخطيط وتنفيذ هذه الإستراتيجية في العالم والشرق الأوسط.
وجرت الأمور خلال هذه المرحلة وفق الآتي:
1- إستراتيجية الغرب في القرن العشرين بعد ظهور السوفييت ودول المنطقة والورقة الكردية:
تم الاتفاق والتخطيط لمنطقة الشرق الأوسط وفق التالي:
1- تقوية إيران عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً ضمن حزام أمني والتي تشمل معها تركيا كخط مجابهة مباشرة مع السوفييت وربطها بأحلاف عسكرية مع الغرب. والمحافظة على الوضع في الخط الثاني وهو الدول العربية ومنع تسرب أية أفكار شيوعية إلى المنطقة وتقوية الدول القائمة وربطها بأحلاف عسكرية مع الغرب.
2- إقامة نظم سياسية ديكتاتورية في إيران وتركيا والدول العربية لا فرق في أيديولوجيتها دينية أم قومية وكلا الأيديولوجيتين مناقضتان للفكر الشيوعي وتسليط هذه الحكومات والتنظيمات لهذه الأيديولوجيات لمحاربة الفكر الشيوعي وذلك للحفاظ على الخط الثاني الإستراتيجي وسوقها الاقتصادي وبترولها الحيوي للغرب.
3- وهكذا استفادت الأمم الثلاثة العربية والفارسية والتركية من هذه الإستراتيجية الغربية في تلك المرحلة.
4- أما مصير الشعب الكردي فجرى التعامل معه بالشكل التالي:
تم استبدال معاهدة سيفر بمعاهدة دولية جديدة سميت بمعاهدة لوزان وفق الإستراتيجية الغربية الجديدة في المنطقة حيث جرت في هذه المعاهدة مساومة مع مصطفى كمال أتاتورك الزعيم التركي على حساب الشعب الكردي وتم التضحية به. وتم تقسيم وطنه "كردستان" بين الكيانات السياسية المذكورة وطمس حق الشعب الكردي في معاهدة لوزان. كل ذلك تم بتخطيط وتنفيذ من قبل الغرب وبزعامة أمريكا. ومن الأقوال المشهورة التي سجلها التاريخ هذا القول لدبلوماسي أمريكي بعد أن تم عقد معاهدة لوزان مع تركيا حيث قال عندما سئل عن مصير الشعب الكردي أجاب: (( إن دبابات أمريكا لا تستطيع أن تتسلق جبال كردستان )). ومن المعلوم أن أمريكا والرئيس الأمريكي هو صاحب مشروع ومبادئ الثلاثة عشر بحق تقرير المصير لكل شعوب الأرض التي قدمت إلى المؤسسات الدولية آنذاك. وعند تخطيط وتنفيذ معاهدة لوزان نسيت أمريكا مشروعها ومبادئها بالكامل وبررت ذلك وعلى لسان هذا الدبلوماسي بأن دبابات أمريكا لا تستطيع أن تتسلق جبال كردستان.
لقد نشبت حربان عالميتان الأولى 1914- 1918م والثانية 1939- 1945م وتغيرت أمور كثيرة في الشرق الأوسط وظهرت دول وكيانات سياسية. لقد حرم شعبان عريقان في الشرق الأوسط من حق تقرير المصير هما الشعب الفلسطيني والشعب الكردي. لقد تعرض الشعبان للقتل والذبح والتدمير والتهجير. كل ذلك كان بسبب رسم الإستراتيجية الغربية آنذاك. وليس من الغريب أن يقول أول رئيس أمريكي بعد ظهور ظاهرة الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط وبدأ ينشر شره للعالم أجمع بعد كل هذه المدة لتلك الإستراتيجية الغربية وبزعامة أمريكا في ذلك الحين. حيث قال الرئيس جورج بوش الابن في عام 2005م:
(( إن أمريكا تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية لهذا الوضع )). إنه أول رئيس أمريكي في تاريخ أمريكاً ينقد نقداً ذاتياً شجاعاً ويعترف بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية لما جرى ويحاول تصحيح الخطأ. لقد تم تجاهل معاهدة سيفر ولم ترَ بنودها التطبيق وتم استبدالها بمعاهدة لوزان ولكن بنودها ظلت تعيش في أعماق النخب السياسية والثقافية الكردية والتي كانت المنار لكل الحركات الكردية في كل أقسامها طوال القرن العشرين وحتى الآن.
2- الورقة الكردية تكتيك في إستراتيجية السوفييت خلال القرن العشرين:
لقد تخلت السلطة السوفيتية في إستراتيجيتها عن حق تقرير المصير الذي هو مادة أساسية في الماركسية بالنسبة للشعوب المضطهدة وبالنسبة للشعب الكردي واستخدمته كورقة تكتيكية في الشرق الأوسط طوال عمرها واستخدمته كرافد اجتماعي للأحزاب الشيوعية العربية والإيرانية والتركية. لقد حظيت جميع شعوب الأرض المستعمرة وفي كل القارات بالدعم والمساندة والإعلام من قبل السلطة السوفيتية إلا الشعب الكردي وانتهت هذه اللعبة بانتهاء السوفييت.
3- الورقة الكردية كتكتيك في يد الحكومات الإقليمية في الشرق الأوسط:
إن عدم تبني الشرقي السوفيتي الاشتراكي والغربي الرأسمالي الورقة الكردية كقضية إستراتيجية ترك المجال لدول وحكومات التي تحكم الشعب الكردي في الشرق الأوسط لاستخدامه كورقة تكتيكية. كل دولة تستخدم الكرد ضد الأخرى كورقة ضغط. ثم يتم التصالح والمساومة على حساب الشعب الكردي. فإذا كان الشرق والغرب قد تخلا عن حق تقرير المصير للشعب الكردي فإن الدول الإقليمية قد أنكرت حق الحياة للشعب الكردي بأكمله حيثما وجد. وتم ممارسة سياسة الإنكار والإبادة والصهر للشعب الكردي خلال القرن العشرين بكامله. حيث استخدمت إيران الشعب الكردي ضد العراق وكذلك العراق استخدمه ضد إيران. ثم تصالحا في الجزائر وكانت اتفاقية الجزائر عام 1975م واستخدمه الآخرون بنفس الطريقة والكل كانوا يمارسون سياسة الإنكار والإبادة والصهر. وكثيراً ما كانوا يعقدون اتفاقيات أمنية ثنائية وثلاثية ورباعية للتعاون معاً في محاربة الشعب الكردي وإبادته. لقد استمر مسلسل الذبح والقتل والتهجير وتدمير القرى والتجويع وسحب الجنسية والهوية وحقوق المواطنة طوال القرن العشرين بكامله. إن الثورات والانتفاضات التي قام بها الشعب الكردي يفوق بعددها لأي شعب آخر ومع ذلك لم يستطع الشعب الكردي الوصول إلى حقه السياسي والقومي ولم يستطع أن يتحرر من العبودية وبقي مواطن بدون هوية مواطن من الدرجة العاشرة يذبح كلما اقتضت الضرورة ذلك.
6- تحول الورقة الكردية إلى ورقة إستراتيجية في يد الغرب والظروف الموضوعية لذلك:
مر تحول القضية الكردية إلى ورقة إستراتيجية عبر مرحلتين، فما هي الظروف الموضوعية التي دفعت الغرب إلى تحويل الورقة الكردية من تكتيكية إلى إستراتيجية؟. إن الإجابة على هذا أمر هام لكي نفهم الوضع في الشرق الأوسط.
1- المرحلة الأولى:
مع انهيار السوفييت وانهيار الأحزاب الشيوعية معها في الشرق الأوسط. وتحرر الملايين من الشباب الكردي والنخب السياسية والثقافية الكردية من حلم خلاصهم عن طريق الفكر الماركسي واقتنعوا أخيراً بأن لا خلاص لهم ولقضيتهم إلا عن طريق الديمقراطية. أجبرت هذه الظروف الموضوعية التي تشكلت بعد انهيار السوفييت الشعب الكردي بأكمله أن يعلق مصيره وقضيته القومية بالديمقراطية. وبنفس الوقت أجبرت هذه الظروف حياة الشعوب المتعايشة معه - العربية والفارسية والتركية للتعلق بالديمقراطية حتى وإن لم يدركوا ذلك بعد. ولما كان الشعب الكردي متحرراً من الميراث التاريخي السياسي والثقافي والعقائدي القديم فالشعب الكردي البالغ الآن أربعون مليوناً كله ديمقراطي. وتقع على عاتقه وهو الشعب الوحيد الذي يمكنه جر كل شعوب المنطقة إلى الديمقراطية وتساعده في ذلك عوامل كثيرة. فهو مرتبط بالشعب العربي والإيراني والتركي جغرافياً وبنفس الوقت مرتبط معهم ثقافياً وعقائدياً وبعادات وتقاليد وأعياد وتاريخ مشترك. لقد جرى تطور كبير لقواه الذاتية والثقافية وبات مهيأ ليلعب دوره في نشر الثقافة الديمقراطية ويكون أكبر رافد لأي عملية سياسة ديمقراطية سواء أكان في إيران أو تركيا أو في العراق وسوريا. والانتخابات والاستفتاءات التي جرت في العراق خير دليل على ذلك. والتجربة العراقية برهنت مما لا يضع مجالاً للشك. وهي بادية للعيان أمام أي باحث موضوعي يبحث عن الحقيقة ويراقب المشهد العراقي. ففي الوقت الذي يوحد الشعب الكردي قوته في التوجه نحو الديمقراطية والعلمانية، نرى بالمقابل أن الطرف العربي مشتت بين علماني ومذهبي وطائفي.
وها هو الطرف العربي يلجأ بكافة قوائمه إلى كردستان لإيجاد الحلول للمشاكل، بينما الطرف الكردي يلعب دور عامل التوازن بين كل مقومات الشعب العراقي. إن ما يحدث في العراق سيحدث في الأماكن الأخرى إن عاجلاً أو آجلاً وسيلعب الشعب الكردي لمصلحة العملية السياسية الديمقراطية وسيعالج كافة المشاكل والتراكمات التاريخية القديمة وإيجاد الحلول لها ولا يستطيع أحدٌ أن يلعب دور هذا التوازن، لا العربي ولا التركي ولا الفارسي. وهذا ما يؤكد ما طرحناه في (( واحة الحرية )) ومسلسل طريق الحقيقة منذ زمن بعيد وتنبأنا بذلك وهاهي الأحداث تؤكد صحة تنبئنا.
لقد قلنا في مسلسل طريق الحقيقة أن الشعب الكردي غير انفصالي وأن ظروفه التاريخية والموضوعية لا تسمح له بذلك وهاهي الأحداث تؤكد صحة تنبئنا. فكم من الشباب الأكراد والنخب السياسية الكردية سيقوا إلى المحاكم والسجون بتهمة الانفصال. وأصبحت الفرصة سانحة الآن أمامهم ومع ذلك فهم مصرون على العيش المشترك. ولكن بموجب حقوق مواطنة متساوية وعلى أساس دستور يحفظ للكل حقه الوطني والقومي.
إن هذه الظروف الموضوعية التي ظهرت في الشرق الأوسط أعطت دوراً تاريخياً للشعب الكردي. إن التطور الإعلامي والثورة التكنيكية في وسائل الإعلام جاءت عاملاً مساعداً وقوياً في لعب الشعب الكردي هذا الدور. لقد بلغت حتى الآن خمس قنوات تلفزيونية كردية تبث الثقافة الديمقراطية والسادسة على الطريق. وبالمقابل لا زالت القنوات التلفزيونية العربية والفارسية والتركية تبث الأفكار الشوفينية القومية والتعصب الديني والمذهبي وكل أفكار وإستراتيجيات القرن العشرين.
لقد أدركت أمريكا ومعها الغرب هذه الظروف الموضوعية وأدركت أهمية الشعب الكردي في لعب هذا الدور ولهذا رسمت أهدافاً إستراتيجية جديدة وفق هذه الظروف والمستجدات التاريخية. هناك تصور خاطئ في المنطقة، فكثير من المحللين والساسة والمثقفين في الشرق الأوسط يعتقدون أن إستراتيجية أمريكا الجديدة بدأت مع استلام جورج بوش الابن السلطة وشنه الحرب على أفغانستان والعراق.
إننا في طريق الحقيقة لا نرى الصواب في هذا الرأي. إن إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط تغيرت منذ عام 1990م أي بعد انهيار السوفييت مباشرة. والأدلة على ذلك هي:
1- لقد دعت القيادة السياسية الأمريكية الزعيمين الكرديين جلال طالباني ومسعود البرزاني إلى واشنطن وطلبت منهما وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مادلين أولبرايت أمام عدسات التلفزيون أن يتصافحا لتكون نهاية لاختلافهما واقتتالهما. ومادلين أولبرايت لم تكن وزيرة الخارجية للحزب الجمهوري (( بل الديمقراطي )).
2- لقد وضعت أمريكا كل ثقلها الاستخباراتي في عملية اختطاف الزعيم الكردي عبدالله أوجلان وتسليمه لتركيا ووضعه في السجن لإخلاء الساحة الكردية لصالح الزعيمين جلال طالباني ومسعود البرزاني.
لقد فعلت أمريكا ذلك في عهد الحزب الديمقراطي والرئيس بيل كلينتون. إن أمريكا فعلت ذلك ليس ترضية لتركيا ولا كرهاً للشعب الكردي ومعاداتها له بل كان ذلك ضمن إستراتيجيتها الجديدة. لأنها لا تريد زعيماً ولا حزباً ماركسياً على الساحة الكردستانية بل تريد زعماءاً وأحزاباً ديمقراطية وفق إستراتيجيتها التي رسمت آنذاك.
3- وعندما أجبرت مادلين أولبرايت الزعيمين الكرديين على المصافحة كانت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة قد رسمت بكامل خطوطها بإعداد الزعيمين ليلعبا ضمن هذه الإستراتيجية الأمريكية والغربية على الساحة الكردية ومنطقة الشرق الأوسط بأكمله.
4- عندما اتخذ قرار دولي عام 1991م بعد تحرير الكويت بإنشاء منطقتي الحماية في الشمال والجنوب ضمن خطوط عرض معروفة كانت إستراتيجية أمريكا وبريطانيا قد رُسمت وترك التنفيذ للظروف المقبلة. وجاءت الأحداث والظروف اللاحقة وكانت أحداث 11 أيلول في واشنطن ونيويورك وظهور ظاهرة الإرهاب العالمي عجلت هذه الظروف الموضوعية بتنفيذ هذه الإستراتيجية في الشرق الأوسط في عهد جورج بوش الابن.
2- المرحلة الثانية:
لقد برهنت الحرب على العراق صحة رؤية الخبراء الإستراتيجيين الأمريكان والإنكليز عندما وضعوا إستراتيجيتهم الجديدة للشرق الأوسط بعد انهيار السوفييت ووضعهم الورقة الكردية كورقة إستراتيجية في حساباتهم وذلك وفقاً للعوامل التي ظهرت أثناء الحرب وبعدها:
لقد كانت الخطة الحربية لجيوش الحلفاء تقوم على خطة فكي الكماشة. فك من الجنوب عن طريق الكويت. والفك الثاني عن طريق الشمال الكردي. وتم تجهيز كافة القوات لهاتين الجبهتين. لقد دخلت القوات لجنوب العراق وتقدمت مسافة طويلة حتى مدينة الناصرية وتوقفت. أما الجبهة الثنية جبهة الشمال فلم تعمل، وكان سبب ذلك هو منع تركيا للقوات المرسلة إلى الجبهة الشمالية عبر أراضيها. فكانت ضربة قوية للجيش الأمريكي. لقد أجبرت تركيا القوات الأمريكية أن تتراجع بعد أن وصلت إلى الحدود العراقية. حيث نقلت تلك القوات عبر البحر مروراً بقناة السويس والبحر الأحمر إلى الخليج ولينضم إلى الجبهة الجنوبية. لقد كلفت هذه العملية القيادة العسكرية الأمريكية ضحايا وأموالاً هائلة.
لقد خانت تركيا (هذا الحليف الإستراتيجي) لأمريكا والغرب التي دعمت تركيا بمليارات الدولارات من المال وحمته طوال القرن العشرين لاستخدامه ضد السوفييت. لقد أدركت أمريكا والغرب أن هذا الحليف الإستراتيجي لم يعد ينفع ضمن إستراتيجيتها الجديدة بل أصبحت تركيا عالةً عليها. وانتهت مهمتها الإستراتيجية وتحولت إلى ورقة تكتيكية. فعندما أراد الغرب استخدام هذا الحليف (تركيا) ضمن خطته الإستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب ودمقرطة الشرق الأوسط والحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط تبين للغرب أن هذا الحليف الذي كان إستراتيجياً ضد السوفييت قد خانه في أحرج المواقف.
لقد حاولت أمريكا ترضية تركيا أثناء الأحداث بالمال وقدمت لها مبلغ 27 مليار دولار كما تناقلته وسائل الإعلام مقابل مرور القوات الأمريكية عبر الأراضي التركية إلى العراق. حيث رفضت تركيا ذلك عندها أدرك الغرب أن هذا الحليف لا مكان له ولا لزوم له في إستراتيجيته الجديدة.
تركيا وتحالفها الإستراتيجي مع الغرب على كف عفريت:
تركيا والسير نحو الهاوية والظروف الموضوعية والإستراتيجية القديمة. لقد بدأت رياح سوداء تهب على تركيا وأخذت سماؤها تتلبد بالغيوم العاصفة. ترى ما هي الظروف الموضوعية التي خلقت هذا المناخ؟ وهي:
1- إن تركيا تصرفت مع الأحداث بعقلية القرن العشرين عندما كان الغرب يدللها حيث كانوا بحاجة إليها ضد السوفييت.
2- لقد كانت تركيا مهندسة الخطوط الحمراء حول الورقة الكردية وورطت غيرها إلى هذه الخطوط الحمراء. ولم تدرك تركيا أن الورقة الكردية قد دخلت كورقة إستراتيجية في إستراتيجية الغرب في الشرق الأوسط.
3- تركيا لم تدرك أن الغرب وأمريكا بصورة خاصة تخوض معركة الأمن القومي ضد الإرهاب في ساحة الشرق الأوسط. وأعطتها الدرجة الأولى من الأهمية وتحول العامل الاقتصادي إلى الدرجة الثانية. ولم تدرك تركيا أن الصراع مع السوفييت قد انتهى وأن ساحة الصراع قد انتقلت إلى الشرق الأوسط مع ظهور ظاهرة الإرهاب.
4- وطبقاً لهذه الظروف الموضوعية الجديدة سيكون الغرب إستراتيجية جديدة وفق هذه الظروف وبالتالي تحالفات إستراتيجية جديدة والورقة الكردية لم تعد تكتيكية محاطة بالخطوط الحمراء بل أدخلت في إستراتيجية الغرب وتحولت إلى ورقة إستراتيجية في الشرق الأوسط.
5- فإذا لم تدرك تركيا وغيرها في الشرق الأوسط هذه المتغيرات والظروف الموضوعية فإن تركيا سيكون مصيرها على كف عفريت.
تركيا وإدراكها للواقع المتغير بسرعة وبدأت تغير مواقفها وتغير إستراتيجيتها:
1- بعد الضربة التي وجهتها تركيا لأمريكا من الخلف أدركت تركيا أن موقف أمريكا قد تغير تجاهها، وللتأكد من ذلك أرسلت تركيا عدة وفود من المستويات العليا - من سياسيين وعسكريين إلى أمريكا طالبة منها استخدام طائراتها في ضرب مواقع حزب العمال الكردستاني كما فعلت مع أنصار الإسلام في كردستان العراق. ويبدو أن أمريكا رفضت ذلك وكل ما فعلته أمريكا تكتيكياً بأن وضعت حزب العمال الكردستاني في قائمة الإرهاب وطلبت من أوروبا أن تفعل ذلك وفعلت.
2- لقد أدرك حزب العمال الكردستاني هذه الظروف الموضوعية وهذا التغيير التاريخي حيث أقدم على تغيير أيديولوجيته بالكامل والتحول إلى حزب ديمقراطي وألغى هدفه الإستراتيجي في الانفصال والاستقلال إلى حل القضية الكردية ضمن الجمهورية التركية.
3- أدركت تركيا هذا التغيير في أيديولوجية حزب العمال الكردستاني. وباتت تخشى من الغرب أن تضع القضية الكردية في تركيا ضمن إستراتيجيتها عندما يحين الوقت إذا لم تكن قد وضعتها بالفعل.
4- لقد أدركت تركيا أن الخطوط الحمراء التي وضعتها حول القضية الكردية قد تلاشت.
5- لقد ازداد إدراك تركيا للوضع المتغير بصورة أكثر عندما استدعي الزعيم الكردي مسعود البرزاني إلى واشنطن وتم استقباله في البيت الأبيض بلباسه القومي واستقباله كزعيم دولة. لقد احتجت تركيا لدى أمريكا ولم تلق آذاناً صاغية من أمريكا.
6- وهكذا أدركت تركيا أن السياسة الإستراتيجية القديمة للقرن العشرين حيال الورقة الكردية قد انتهت, وأن فقدها لهذه الورقة يعني خسارة فادحة لتركيا واقتصادها وتكون نهايتها. وإن التفعيل الاقتصادي لا يمكن أن يتم إلا بمدى قبولها لهذه الورقة الإستراتيجية التي دخلت في إستراتيجية الغرب.
7- وبناءاً على هذه المستجدات والمتغيرات، بادرت تركيا على الفور بقيام رئيس وزرائها أردوغان بجولة في كردستان تركيا وأخيراً توقف في ديار بكر وأعلن على الملأ وأمام وسائل الإعلام ليقول أن القضية الكردية قضيته وهو من سيقوم بحلها.
8- وأعطى الضوء الأخضر بإنشاء حزب جديد مؤلف من النخب السياسية والثقافية التركية والكردية هدفه حل القضية الكردية في تركيا بالشكل السلمي. وهذا يعني أن مهمة هذا الحزب هو تهيئة الرأي العام التركي لإستراتيجية جديدة التي سترسمها تركيا إن عاجلاً أو آجلاً.
9- على الفور استفادت تركيا وبدأت الآلاف من الشاحنات التركية تعبر الحدود عبر المناطق الكردية محملة بالبضائع، وكذلك رجال الأعمال الأتراك يتوافدون على السوق العراقية. بالإضافة إلى مليارات من الدولارات تصب في السوق التركية.
10- وهكذا أدركت تركيا أن التقعيل الاقتصادي هو المهم في حياة الشعوب، وأن التفعيل الاقتصادي يتم بمدى قبولها أو رفضها للورقة الكردية الإستراتيجية. ولم يعد التفعيل الأيديولوجي ولا الخطوط الحمراء من نفع ولا تعطي الناس المأكل والملبس ولا السكن بالفيلات.
أمريكا وانكلترا والإستراتيجية الجديدة والورقة الكردية الإستراتيجية والأسس المادية لدعمها:
ونحن نسأل: هل ما قلناه وكتبناه عن القضية الكردية وتحولها إلى إستراتيجية عند الغرب في الشرق الأوسط مجرد وهم وخيال؟... أم له أسس مادية تدل على ذلك؟...
والجواب: إن الإستراتيجيات البعيدة المدى قد تستغرق سنوات أو قرناً من الزمن تتوقف على حركة التاريخ والظروف الموضوعية والانعطافات التاريخية الحادة. والإستراتيجيات البعيدة لا يمكن إخفاؤها وهذا يعني إنها تحتاج إلى مواقف معلنة بالإضافة إلى أن الإستراتيجيات البعيدة وتحالفاتها تحتاج إلى أسس مادية لتنفيذها. والأسس المادية الإستراتيجية تحتاج إلى حمايتها.
ترى ما هي المواقف المعلنة؟ وماهي الأسس المادية للورقة الكردية الإستراتيجية في إستراتيجية الغرب؟
المواقف المعلنة:
1- لأول مرة في تاريخ أمريكا وبريطانيا تستدعي القيادة السياسية في البلدين زعيماً كردياً وتستقبله بشكل رسمي وبلباس كردي وبخطاب كردي.
لقد استقبلت واشنطن الزعيم الكردي مسعود البرزاني في البيت الأبيض وإنكلترا في دوان ستربت.
2- لأول مرة في التاريخ يستقبل البابا في الفاتيكان زعيماً كردياً وهو السيد جلال طلباني. علماً أن البابا يمثل الرمز الروحي الأول في العالم الغربي المسيحي.
3- لأول مرة في التاريخ يعين زعيم كردي وهو السيد جلال طلباني كرئيس للجمهورية العراقية في منطقة الشرق الأوسط والسيد مسعود البرزاني كرئيس لإقليم كردستان. وإن جميع هذه المواقف المعلنة ما كانت أن تتم لولا دخول الورقة الكردية في إستراتيجية الغرب بالرغم من معارضة دول المنطقة الشديدة لهذه المواقف كون هذه الدول تنكر وجود شعب كردي في المنطقة. وعلى أرضه كردستان. فكيف ظهر هذا الشعب فجأة. لا بد أن هذه الدول التي تنكر وجود الشعب الكردي قد وقعت في حالة حرجة للغاية وبدا المسئولون لا يعرفون كيف يتصرفون أمام هذه المفاجئة. وباتوا يسألون أنفسهم هل يتمسكون بإستراتيجيتهم القديمة أم يغيرونها؟..
إنهم في ورطة إنها المصيبة الكبرى في كلتا الحالتين.
فإن تمسكوا بالتفعيل الأيديولوجي وتمسكوا بأفكار إبادة الشعب الكردي، وهذا يعني ابتعادهم عن التفعيل الاقتصادي, وبقاء نسبة ثمانين بالمائة جائعين وعراة وحفاة وبلا سكن إما في الأكواخ أو في صفائح الزبالة.
وأبناؤهم يحلمون طوال حياتهم بركوب السيارة واقتناء الحاجات العصرية. وإن سعوا إلى التفعيل الاقتصادي، يعني ذلك الاعتراف بوجود شعب كردي في المنطقة والاعتراف بحقهم التاريخي على أرضهم كردستان. وهذا يعني أنهم كانوا يكذبون على شعوبهم وعلى التاريخ معاً وهذا يعني فقدان الكرسي وخسارة المال الحرام الذي كسبوه من هذه الورقة التي كانت مصدر كسبهم.
الأسس المادية لهذه الورقة الإستراتيجية:
إن الأهداف الإستراتيجية تحتاج إلى تحالفات إستراتيجية معلنة. والتحالفات الإستراتيجية تحتاج إلى دعم ورعاية. فما هي الأسس المادية لهذا الدعم؟...
1- إنشاء مطارين دوليين في السليمانية وأربيل.
2- وضع حجر أساس لإنشاء جامعة أمريكية في السليمانية.
3- البدء بحفر الآبار البترولية في منطقة زاخو. وهاهي وسائل الإعلام تنقل أخبار اكتشاف البترول في المنطقة المذكورة.
ومما لا شك فيه إن البترول سوف لن يبق في الآبار بل سينقل عبر الأنابيب إلى البحر المتوسط للتصدير. ترى عبر أية أراضي سيمتد إلى البحر المتوسط. ومما لا شك فيه أن تلك الأراضي التي سوف يمر البترول فيها ستحظى بخيرات كثيرة من المال وهذا المال سيساهم في مشاريع التنمية وهذه المشاريع التنموية ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل للناس. وهذا يعني أن هذا التفعيل الاقتصادي هو العمود الفقري في حياة الشعوب. إن ترك هذا التفعيل الاقتصادي والتفكير والاستمرار في التفعيل الأيديولوجي.... علماً أن التفعيل الأيديولوجي هو كلام في كلام وأحلام وأمنيات فلا الكلام ولا الأحلام ولا الأمنيات تحقق الهدف الإستراتيجي وهو المأكل والملبس والمسكن والحاجيات العصرية.
7- العرب – والسوق العراقية الاقتصادية وإستراتيجية التفعيل الأيديولوجي:
إن النظر إلى المشهد العراقي برؤية إستراتيجية منذ أن سقط النظام القديم وما يجري على هذه الساحة من تفاعلات وأحداث يتراءى لنا أن العرب لا زالوا ينظرون ويحللون المشهد العراقي وفق رؤية وأفكار وإستراتيجيات القرن العشرين القائمة على التفعيل الأيديولوجي وكأن شيئاً لم يحدث.
فالنخب السياسية والفكرية لا زالوا يحللون المشهد وفق التفعيل الأيديولوجي وهم بعيدون كل البعد عن التفعيل الاقتصادي. إن وضعنا نحن العرب يشبه وضع نهاية الإمبراطورية الرومانية عندما كانت الأخطار تهددها من كل الجهات.
فكان نخبها السياسية والفكرية يجتمعون على ساحل البحر الأبيض المتوسط ثم يبدؤون نقاشاتهم على الشكل التالي، وكان موضوع نقاشهم بموجب السؤال:..... إذا نشفنا ماء البحر المتوسط، ترى، ما هو نوع الزراعة الأفضل لنزرعها ونحصل على الإنتاج الأفضل؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! فكان كل واحد من هذه النخب السياسية والفكرية يطرح رأيه. فالبعض كانوا يقولون إذا نشفنا ماء البحر المتوسط وزرعناه بالحنطة يكون ذلك أفضل. والبعض الآخر كانوا يفضلون الشعير والآخرون يفضلون زراعة العدس والفاصولياء.........................الخ
وهكذا كانوا يمضون نقاشاتهم ويمضون أيامهم على ساحل البحر المتوسط في الوقت الذي كانت الإمبراطورية تنهار قطعة بعد قطعة.
إن شعوبنا وبنسبة ثمانين بالمائة يبحثون عن لقمة عيشهم من بين حاويات القمامة وهم بحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن والحاجيات والدواء..الخ ومع مرور كل يوم يزداد الوضع سوءاً وشعوبنا بحاجة إلى التفعيل الاقتصادي لينقذ حياتهم من الذل والحرمان واليأس القاتل ولا يحتاج إلى التفعيل الأيديولوجي الذي ليس إلا كلام في كلام وشعارات وأحلام وأوهام. إن ما نراه ونسمعه من نخبنا السياسية والفكرية على شاشات التلفزة للأحداث والتحولات على الساحة العراقية يشبه تماماً وضع النخب السياسية والفكرية الرومانية في نهاية عمرها.
لقد هزت الأحداث الجارية في العراق وجميعها لها نتائج إستراتيجية على العراق والمنطقة برمتها.
1- ظهور مجلس حكم معين ومؤقت وانتهى دوره.
2- جرى انتخاب لمجلس وطني ومقاطعة السنة العرب لها ومشاركة الشيعة والأكراد بقوة.
3- وضع دستور دائم للعراق.
4- تم الاستفتاء على هذا الدستور ونال موافقة الشعب العراقي بنسبة عالية جداً.
5- حُل المجلس الوطني القديم وتم انتخاب مجلس وطني جديد ((نيابي)) وفي هذه المرة شارك الجميع بكل مكونات الشعب العراقي وبنسبة عالية جداً.
وبالرغم من كل الظروف الأمنية، دل على أن العراقيين شعب حي ويريد التغيير ويريد حياة مشتركة جديدة. إن كل هذه الأحداث والتفاعلات التي جرت ستكون لها نتائج إستراتيجية بعيدة المدى على المنطقة.
8- النخب العربية السياسية والفكرية والنقاشات السفسطائية للأحداث في العراق بين التفعيل الأيديولوجي والاقتصادي:
1- التفعيل الأيديولوجي:
كثيراً ما نسمع ونرى أنصار التفعيل الأيديولوجي على شاشات التلفزة يدلون بآرائهم وأفكارهم ومعارضتهم بعد طرح وثيقة الدستور العراقي، حول هوية العراق واسمه وعلمه ودينه ومذهبه ...الخ
إن وضعهم هذا يشبه النخب السياسية والفكرية أيام نهاية الإمبراطورية الرومانية. فمهما تكن هوية العراق واسمه ودينه ومذهبه ومصدر تشريعه، سيبقى الشعب العراقي، المؤلف من العرب والأكراد والآشوريين والكلدان والتركمان ومن المسيحيين والمسلمين والصابئة واليزيديين ومن المذهب السني والشيعي.
والعربي والكردي والآشوري والتركماني والمسلم والمسيحي والصابئي واليزيدي والسني والشيعي هم بشر والجميع بحاجة إلى مأكل وملبس ومسكن وحاجيات عصرية والحرية. فلا العربي يريد أن يبتلع الكردي، ولا الكردي يريد أن يبتلع العربي وكذلك المكونات الأخرى. والكل بعد التجربة المريرة التي عاشوها في العهد القديم (الظلامي) وخلال القرن العشرين منذ نشوء الدولة العراقية رأوا أن لا حياة ولا أمن ولا استقرار ولا مأكل وملبس ومسكن وحاجيات للكل إلا بنظام سياسي والكل يشارك في هذه العملية السياسية وبحرية دستور أو عقد اجتماعي ينظم حياتهم وحقوقهم.
والذين كتبوا هذا الدستور ووضعوا أسسه هم عراقيون والذين صوتوا لهذا الدستور هم عراقيون بين موافق ومعارض ونال الدستور الأكثرية وأصبح أمراً واقعاً. ترى لماذا هذه النخب السياسية والفكرية لا زالوا متمسكين بالتفعيل الأيديولوجي؟... لنترك الجواب لأنصار الطرف الآخر لأنصار التفعيل الاقتصادي.
2- التفعيل الاقتصادي:
1- إن النظر للعراق وأحداثه وفق نظرة التفعيل الاقتصادي هو الآتي: إن ما حدث في العراق من تغيير للنظام القديم الذي كان مبنياً على التفعيل الأيديولوجي والذي كان في مصلحة أنصار التفعيل الأيديولوجي في منطقة الشرق الأوسط والذي لا تبلغ نسبته من شعوب المنطقة سوى عشرين بالمائة. أما الثمانين بالمائة من هذه الشعوب تكمن مصلحتها في التفعيل الاقتصادي. وهذا يعني أن الثمانين بالمائة من هذه الشعوب عند تغيير هذا النظام في العراق بدؤوا يحلمون بتحقيق أهدافهم الإستراتيجية من المأكل والملبس والحاجيات والحرية. لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط منذ أكثر من ألف عام. إن ما حدث في العراق هو انفتاح أبواب السماء ليس أمام الشعب العراقي وحده بل أمام كافة شعوب المنطقة بعربها وكردها وتركها وفرسها والأقليات المتعايشة معها. فالسوق العراقي سوق اقتصادي هائل بثرواته الصناعية والزراعية وطاقته البشرية. وإن بناءه التحتي مدمر وتقنيته العصرية تحتل مرتبة الصفر نتيجة لسياسات النظام الأيديولوجي القديم. ونتيجة للحصار الاقتصادي الذي فرض عليه من قبل الأمم المتحدة. وهذا يعني أن جميع البناء التحتي يحتاج إلى تحديث بكل التقنية الحديثة.
2- إن الشعب العراقي الذي تجاوز الـ (خمسة وعشرين) مليون نسمة بحاجة إلى القوت اليومي والملبس والمسكن والحاجات العصرية وهو بحاجة إلى الدول المجاورة والبعيدة لإمداد هذا السوق بالحاجات اليومية والتقنيات الحديثة الإستراتيجية كي يستطيع الشعب العراقي مواكبة حركة التاريخ.
3- ولأول مرة في التاريخ ظهر نظام سياسي ديمقراطي منذ أكثر من ألف عام في العراق يستطيع أن يضع المال العام والثروات الوطنية تحت المراقبة ليكون في خدمة الشعب بكامله بدلاً من بناء القصور للخلفاء والسلاطين والرؤساء وقواد الضرورة والزعماء الملهمين. واستخدامه في الحروب الخارجية وضد شعبه بالذات.
4- ومن هنا ندرك لماذا يصرخ أنصار التفعيل الأيديولوجي ويدافع عن مصالحه ويحاول إخفاء نواياه وراء الستار الأيديولوجي والشعارات الديماغوجية.
9- انفتاح أبواب السماء في العراق، وعلى دول الجوار وشعوبها وواجبهم في الحفاظ على هذه الأبواب:
كم يؤلمنا نحن في طريق الحقيقة ونحن اللذين نرتبط بالشعب العراقي بكل المقومات القومية والدينية والتاريخية والجيرة أن لا نستطيع الدخول للسوق العراقي. وكم يؤلمنا أن نرى نسبة ثمانين بالمائة من شعوبنا يعيشون تحت خط الفقر وهم يهاجرون أوطانهم وينتشرون في أصقاع الدنيا للبحث عن لقمة العيش الكريم. أو يستخدمون عرضهم للحصول على لقمة العيش أو يبحثون بين القمامة ليجمعون قطعة ألمنيوم أو بلاستيك أو خبز معفن ليبيعوها بغية تأمين لقمة العيش لأسرهم في الوقت الذي تسبح أوطاننا فوق ثروات هائلة.
لقد أزيل كابوس رهيب عن العراق وانفتح بابه على العالم وبدأ العالم كله يندفع نحو هذا السوق المدمر لمد هذا السوق بكل مستلزمات الحياة والبناء ونحن نتفرج.
لقد ابتلى الشعب العراقي بالإرهاب ليزيد من الدمار على ما هو مدمر.
ترى هل الإرهاب هو ما كان يريده الشعب العراقي وشعوب المنطقة؟.. ومتى كان الإرهاب وسيلة لتأمين مستلزمات الحياة والبناء وحل المشاكل؟.. وهل يمكن للشعوب أن تأمل خيراً من الإرهاب حتى ولو استلم السلطة؟..
وأخيراً نعلن رؤيتنا الإستراتيجية لشعوب الشرق الأوسط. ولا ندعي أننا نملك الحقيقة كاملة. نقدمها لكل شعوب المنطقة والعالم ولأصحاب القرار السياسي والمعارضين الذين يريدون السلطة.
10- الكلمة الختامية من طريق الحقيقة والرؤية الإستراتيجية:
نقول كلمتنا في طريق الحقيقة. والتاريخ الآتي سوف يبرهن فيما إذا كنا صائبين في رؤيتنا أو مخطئين ولا نطلب من أحد أن يعتبر رؤيتنا على أنها كلمات مقدسة.
ونتيجة لدراسة التاريخ المعاش الآن في الشرق الأوسط نستطيع أن نقول:
1- لا خلاص لنا نحن شعوب الشرق الأوسط من كافة أزماتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلا بالديمقراطية.
2- إن القضية الكردية هي مفتاح الديمقراطية.
3- القضية الكردية قد دخلت في إستراتيجية الغرب ولم تدخل بعد في إستراتيجية دول المنطقة في الشرق الأوسط.
4- ستعلب القضية الكردية الدور الرئيسي بجر شعوب المنطقة بأكملها إلى الديمقراطية.
5- الإرهاب والديمقراطية هما طرفي القانون الديالكتيكي في الشرق الأوسط. سيتصارعان ومن هذا الصراع سينشأ وضع آخر وطرفي نقيض آخر مختلفان. وكل التاريخ البشري هو صراع بين القديم والجديد، والآن الإرهاب هو القديم والديمقراطية هو الجديد.
6- سيفرز هذا الصراع طرفين في الشرق الأوسط، طرف مع الإرهاب مرتبطة مصالحه مع القديم، وطرف مع الديمقراطية الذي يريد أن يعيش حياة جديدة.
7- إن إستراتيجية أمريكا والغرب مع الديمقراطية.
8- أربعون مليون كردي بحكم ظروفهم الموضوعية ديمقراطيون. وسيلعبون الدور الرئيسي في العملية الديمقراطية.
9- إن الشرق الأوسط كله دخل في عملية الصراع بين الإرهاب والديمقراطية وسيكون النصر للديمقراطية وسيهزم إرهاب الدولة وإرهاب المعارضة.
10- ستنتهي هذه المعركة بين الإرهاب والديمقراطية بانتصار الديمقراطية. ليس على السلاح فقط، بل على الثقافة الإرهابية الآتية من الأيديولوجيات الدينية المتطرفة والقومية الشوفينية.
11- إن انتصار الديمقراطية يعني انتصار الخير على الشر. وستظهر دول وحكومات قانون ودساتير عصرية مبنية على حقوق الإنسان.
12- ستتحقق وحدة الأمم العربية والتركية والفارسية والكردية بالديمقراطية.
13- وستظهر دول وحكومات عمل وفعل لتحل محل دول وحكومات القول والشعارات والخطب الطنانة والتلاعب بالعواطف.
14- إن القضية الكردية ستوحد سوق العراق بالإيراني والتركي والعربي. وبالنتيجة ستظهر سوق شرق أوسطية وستكون هذه السوق عاملاً لخلق فرص عمل شريف لكل إنسان في الشرق الأوسط. عندها لن تكون شعوبنا بحاجة إلى الهجرة، بل ستكون هناك هجرة معاكسة للناس العاملين والعقول المبدعة وللرأسمال المهاجر ليساهموا في ظل دولة القانون في بناء الأوطان.
ونقول لكل إنسان في الشرق الأوسط عربياً وفارسياً وتركياً وكردياً وآشورياً وتركمانياً وكلدانياً. أن لا حياة آمنة ومستقرة ورغيدة وسعيد لنا ما لم تحل علينا الديمقراطية.
إن الدولاب قد بدأ يدور في الشرق الأوسط ومن واجب كل إنسان في هذه المنطقة من العالم أن يعطيه دفعة ليدور بسرعة سواء أكانت هذه الدفعة بقلمه أو لسانه أو بدينه أو مذهبه أو قوميته أو ماله، ويتوجب على الحكام أن يمزقوا كل الأهداف الإستراتيجية التي رسمت في القرن العشرين ويزيلوا كل ثقافتها من خيال الناس. وأن يرسموا أهدافاً إستراتيجية جديدة تتلاءم مع هذا الواقع الموضوعي الجديد. إنهم مسؤولون أمام شعوبهم والتاريخ معاً. إن السباحة في عكس التيار الجارف أمر خطير سيجرون على أنفسهم وشعوبهم الويلات والكوارث. إن شعوبنا لم تعد تتحمل الجوع والفقر والذل والحرمان من هذا الواقع المعاش، لقد تحمل ذلك خلال القرن العشرين ولكنه لا يستطيع أن يتحمل ذلك خلال القرن الحادي والعشرين.
لم تعد الورقة الكردية ورقة تكتيكية يمكن التلاعب بها وتركها متى ما شاء. فكلما كان التقرب من هذه الورقة إستراتيجياً كلما كانت الفائدة على شعوبنا أكبر. وكلما كان الابتعاد عنها كان الضرر أكثر على شعوبنا.
لا تحل مشاكل شعوب الشرق الأوسط بالحروب مع بعضها البعض. ولا تحل المشاكل بقطع الأعناق وقطع الأرزاق ولا بالإجراءات الأمنية وجر الناس إلى السجون. بل كل ذلك يحل بالديمقراطية.
إن الوضع في الشرق الأوسط أصبح كبرميل بارود. إن أي شرارة قد تجر الكل إلى آتون ناره وحرق الكل.
فهل يبدأ العقلاء والسياسيون والمفكرون بالتخلي عن أهدافهم الإستراتيجية القديمة ويرسموا أهدافاً إستراتيجية جديدة وفق الظروف الموضوعية والمستجدات التاريخية. وها نحن ندق ناقوس الخطر ونضع رؤيتنا وأفكارنا للواقع علنا نكون قد أسدينا واجبنا كمثقفين تجاه أوطاننا وشعوبنا في الشرق الأوسط.
وأشرنا إلى المفتاح الذي سيفتح الباب الفولاذي المغلق أمام شعوبنا في المنطقة. وبقي على الساسة أن يمسكوا بهذا المفتاح ويفتحوا الباب أما شعوبنا كي تسير إلى الديمقراطية والأمن والسلام وعملية البناء ونقول ونكرر أننا لا نملك الحقيقة كاملة، بل جزء منها وهذا ما عبرنا عنه في هذه الحلقة.
فمن يرى في رؤيتنا الحقيقة فليأخذها وليجعلها منارة له على رسم الأهداف الإستراتيجية.
ومن لا يرى فيها الحقيقة فليفعل بها ما يشاء.
ونحن مقتنعون بأن الحقيقة لا يملكها أحد بل يملكها التاريخ فقط. والتاريخ القادم سيظهر لنا إن كنا صائبين في رؤيتنا أم مخطئين.
إن همنا الوحيد هو خلاص شعوبنا في هذه المنطقة من العالم من التخلف الرهيب الذي نعيشه في هذا الواقع وينذرنا بأشد العواقب الوخيمة. فهل يدرك العقلاء من الساسة والمفكرين قبل فوات الأوان؟...


منشورة على مواقع الحرية:
http://www.freewebs.com/tw20/index.htm
http://www.freewebs.com/alhurria/article/tw20.htm
http://www.alhouria12.jeeran.com/tw20.htm
http://www.geocities.com/m_touma_alhurria/tw20.htm
http://www.angelfire.com/un/alhurria/tw20.htm
http://www.alhouria12.150m.com/tw20.htm
http://www.alhurria.4t.com/tw20.htm




#محمد_تومة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق الحقيقة رقم 19
- طريق الحقيقة رقم 18
- موضوع الحلقة: طريق الحقيقة حول الرد على ثلاث رسائل: 1- رسالة ...
- محكمة طريق الحقيقة............ للفكر السياسي والثقافي في الش ...
- الشرق الأوسط حبلى بمولود جديد. والصراع على الهوية والثقافة.
- طريق الحقيقة رقم 15
- طريق الحقيقة رقم 13


المزيد.....




- الموقع بين الواقع والمُتوَقِّع
- الاحتلال يشن حملات دهم واعتقالات بالضفة ويحاصر طولكرم
- الأونروا تحذر من انتشار الأوبئة في قطاع غزة مع اقتراب الصيف ...
- نتنياهو عن مذكرات اعتقال الجنائية الدولية المحتملة بحق قادة ...
- إسرائيل أم حماس.. من يعرقل اتفاق الهدنة بغزة وصفقة تبادل الأ ...
- نتنياهو يصف مذكرات الاعتقال المرتقبة من الجنائية الدولية بال ...
- الأمم المتحدة تتهم إسرائيل برفض دخول المساعدات لغزة وسط تحذي ...
- مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي إلى غزة للمرة الثانية خلال ...
- إسرائيل أم حماس.. من يعرقل اتفاق الهدنة وصفقة الأسرى؟
- غانتس: استعادة الرهائن تتطلب منا كبح الغضب في إطلاق سراح الأ ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد تومة - شعوب الشرق الأوسط بين التكتيك والإستراتيجية - والحلفاء بين القديم والجديد